"فيلولوجيا اللغة العربية" بمعرض جدة للكتاب.. علم لفهم النصوص القديمة وحل مشاكل الترجمة والتعريب

 

13 كانون الأول 2022

 

في محاولة لتجلية بعض أسرار لغة الضاد التي تعدّ الوعاء الذي يحتضن العلم ويحمله من زمن إلى آخر، أقام معرض جدة للكتاب ضمن فعالياته جلسة نقاشية بعنوان "فيلولوجيا اللغة العربية" بمشاركة عدد من الأكاديميين والمهتمين باللغة العربية وعلومها.

وفي الجلسة، ناقش المشاركون تعريف الفيلولوجيا ومفهوماته واهتماماته المتشعبة، وتطرقوا إلى علاقته بالعربية وإرهاصاته عند علماء الحديث وفي تدوين القرآن.

كذلك تناول المشاركون إشكالية المصطلح الراهنة مع تقديم بعض المقترحات التي قد تجلّي اللبس الحاصل بتعدد المصطلحات التي تتناول هذا العلم، إلى جانب تأكيد أهمية هذا المجال المعرفي في معالجة مشاكل اللغة العربية والكشف عن أسرارها.

النص المكتوب واللغة

ويقول نواف البيضاني، الباحث السعودي والمهتم باللغات وعلومها وأحد المشاركين في الجلسة النقاشية، إن تعريف الفيلولوجيا من أهم المشكلات التي تواجه الباحث في هذا العلم، وهو في ذلك شبيه بتلك المشكلة القديمة التي تحيط بتعريف الفلسفة، وهذه الصعوبة مردّها إلى تعدد المواضيع التي يتناولها بالبحث.

ويوضح البيضاني أن الفيلولوجيا علم يهتم بالنص المكتوب واللغة في الوقت نفسه، وهذا يجعله يتداخل مع العلوم الأخرى ذات الاهتمام نفسه، كاللسانيات والنقد الأدبي وتاريخ الآداب، إذ إن حقل تطبيق الفيلولوجيا يغطي جزئيا هذه المجالات المختلفة.

ويضيف أنه يمكن تعريف الفيلولوجيا بأنها دراسة النصوص تمهيدا لدراسة الحضارات القديمة، مع مراعاة مراحل التطور الإنساني فيهـا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأدبيا، وذلك باستيعاب عقلية شعوبها وتطور تلك الحضارات الثقافي ومظاهر تطورها اللغوي، لافتا إلى أن علم الفيلولوجيا يهتم أساسا بـ3 نقاط رئيسة: إعداد النصوص وطبعها، ونقد صحتها، والبحث عن مصادر تلك النصوص.

ويشير البيضاني إلى أن مصطلح "الفيلولوجيا" دخيل على العربية بينما قام البعض بتعريبه على أنه "علم فقه اللغة"، وما زال الوسط الأكاديمي في خلاف حول تعريبه.

كما يوضح أن التراث اللغوي الإسلامي به جهود لغوية كثيرة تندرج تحت علم الفيلولوجيا، وخاصة في إعداد النصوص وطبعها، ونقد صحتها، والبحث عن مصادر تلك النصوص، ولعلماء الحديث النصيب الأوفر في الأسبقية ها هنا، ثم نجد جهود علماء اللغة الكبار كابن جني وابن فارس وغيرهما، موضحا أنه خلال الجلسة النقاشية قام بطرح مقترح لمصطلح عربي بديل للفيلولوجيا وهو "علم فقه النصوص"، لأن الفيلولوجيا تعتمد أساسا على النصوص المكتوبة.

الفيلولوجيا بطريقة واضحة

وفيما يتعلق بتاريخ ظهور مصطلح "الفيلولوجيا"، يضيف البيضاني أننا إذا عدنا إلى تاريخ الكلمة وتأصيلها، فالكلمة في اليونانية φιλολογία، وهي مركبة من كلمة ولاحقة. أما الكلمة φιλόλογος فهي كلمة نحتت من كلمتين هما φίλος وتعني المحب و λόγος وهذه دونها خرط القتاد لكثرة اتساع مدلولاتها ولكنها تعني بشكل أساسي "ما قيل" أو القول أي الكلام عموما، وتعني "ما فُكّر به"، أي التأمل والتفكر والاستبصار والحجة.

ورغم عدم معارضته للآراء التي ترى أن مثل هذه النقاشات لا يهتم بها إلا النخبة والمتخصصون فقط في علوم اللغة، فإن البيضاني يرى مع ذلك أن المهتمين بهذا العلم كثر، لافتا إلى أن الحضور الكبير والتفاعل من الجمهور خير دليل على أن الحاجز النخبوي لم يعد كما عهدناه، وهو تغير يرى أنه إيجابي إنْ التزم بالأعراف والمناهج العلمية.

وعن أبرز الرسائل التي وُجّهت خلال الجلسة وبخاصة لمحبي اللغة العربية، يقول البيضاني "كانت ورقتي موجهة للجمهور المهتم من غير المتخصصين بدرجة أولى، وأردت من خلالها تقديم الفيلولوجيا بطريقة يسيرة وواضحة، وبعيدة عن الطرح الجاف، وحاولت فيها أن أبين إشكالية المصطلح واتساع مباحث الفيلولوجيا، كما تناولت الجهود العربية الإسلامية للعلماء المتقدمين مما يمكن أن يصنف ضمن التراث الفيلولوجي الإنساني".

ويختتم الباحث السعودي حديثه للجزيرة نت بالقول إن علم الفيلولوجيا في الغرب يعيش أسوأ أيامه لغياب الدعم الجاد وتحوّل الجامعات والمعاهد البحثية إلى بحث قضايا مسيسة كالدراسات الجندرية، مضيفا أن هذه فرصة ذهبية للجامعات العربية لاستقطاب قامات علمية كبيرة من أجل تأسيس مراكز بحثية تخدم لغاتنا القديمة وتراثنا الحضاري العربي.

عودة الفيلولوجيا إلى الواجهة

وتؤكد أستاذة البلاغة والأدب بجامعة نجران السعودية سحر المعنا أهمية علم الفيلولوجيا ودوره في فهم النصوص القديمة ودراسة النصوص اللغوية، لاسيما العربية؛ دراسة تاريخية مقارنة، لفهمها والاستعانة بها في دراسة الفروع الأخرى التي يبحث فيها علم اللغة.

وتقول المعنا إنه في الوقت الذي تعرف فيه الفيلولوجيا اليوم عودة متنامية إلى واجهة الفكر الكوني المعاصر، وتشهد تبعا لذلك تحولا عميقا في تصوراتها ومناهجها القرائية، لا تزال أوساطنا البحثية العربية تأبى الانفتاح على الدراسات الفيلولوجية، وتتذمر من تبعاتها النقدية وإحراجاتها التأويلية، وهو ما يعني التراجع كثيرا فيما يتعلق بعلوم الكلام واللسانيات واللغة العربية.

وتنوه إلى أن الاهتمام بعلم الفيلولوجيا والتوسع في دراسته بالجامعات العربية سيسهم في تحسين دراسة العربية القديمة أو الحديثة على حد سواء، بالإضافة إلى قدرته على حل بعض القضايا مثل الترجمة والتعريب، وحل معضلة المصطلح، وتعليم اللغة للناطقين بها وبغيرها، ومعالجة اللغة وحوسبتها وغير ذلك.

وترى أن الفيلولوجيا بمنزلة البوابة الرئيسة لعلم التحليل الثقافي للنصوص اللغوية المبكرة القائمة على دراسة النصوص المكتوبة والمبكرة، وتحقيق نسبها، وتحليل محتواها الثقافي والحضاري، واستكشاف علاقتها بما سبقها من نصوص.

يذكر أن جلسة "فيلولوجيا اللغة العربية" شهدت مشاركة كل من أستاذ العلوم اللغوية بجامعة الملك عبد العزيز الدكتور محمد سعيد الغامدي، والأكاديمي وعضو الجمعية النرويجية لفقه اللغة أدموند بجورسنيس، والباحث نواف البيضاني، وأدارها الأكاديمي السعودي محمد الصفراني.

وكانت هيئة الأدب والنشر والترجمة في المملكة العربية السعودية قد أطلقت معرض جدة للكتاب بمشاركة أكثر من 900 دار نشر محلية وعربية وأجنبية، مع برنامج ثقافي يمتد على 10 أيام ويضم نحو 100 فعالية. (الجزيرة نت)

 

المصدر