اللغة العربية.. لماذا يهجرها الشباب وما دور أزماتنا الاجتماعية في ذلك؟

 

 

29 حزيران 2021

 

رغم أن اللغة العربية تأتي في المرتبة الخامسة عالمياً من حيث عدد المتحدثين بها، إلا أنها تعاني من نفور الجيل الشاب منها، ولذلك أسباب عديدة تزيدها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية.

ياسمينا: "ما بفهم بالعربي.. اكتبيلي English أو francais".. تكتب مراهقة لبنانية لأمها عبر "واتساب"، فترد الأم عن جمال اللغة العربية وأنها لغتنا الأم.

تضيف البنت بتأفف: ما بحب العربي..

إنَّه حوار بسيط، قد يعتبره البعضُ عابراً، وغير ذي دلالة، إلا أنَّه يشكل صورة المستقبل لأجيال عربية من المفترض أنها نواة مستقبل بلادنا، التي تعتمد لغة الضاد لغةً أولى ورسمية، والتي يتقنها ما يزيد على 422 مليون عربي، بحسب بيانٍ لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في العام 2012، بينما يتراجع استخدامها في الحياة اليومية والكتابة.

تُعدّ اللغة العربية من أكثر اللغات المحكيّة حول العالم، وتحتلّ المرتبة الخامسة بين اللغات العشر الأولى، ويتحدَّث بها 274 مليون شخص، بحسب إحصاء جديد لموقع "statista". وهي اللغة التي تعتمدها الأونيسكو منذ العام 1968 "لغة عمل في المنظّمة"، وتشدد على أهميّتها، بوصفها أداة للتعبير ووسيلة لحفظ حضارة الإنسان وثقافته.

 

الحروب على الوطن العربي سعت لتدمير الثقافة العربية

يتضح من خلال مطالعتنا اليومية للأحاديث والنقاشات في الجامعات وداخل البيوت وفي كل الأماكن في مدننا العربية أن أجيالنا الشابة تهرب من استخدام اللغة العربية في الحديث والكتابة، ويفضّلون الفرنسية أو الإنكليزية أو أي لغة أخرى، ويحلمون بالسفر إلى الخارج لمتابعة دراستهم والعمل والهجرة. هذا ما أكدته لـ"الميادين نت" المحاضرة باللغة العربية في جامعة دمشق الدكتورة ريما دياب.

وأضافت دياب "الهدف الأوّل للجيل الجديد هو الهجرة لرؤية ما يراه عبر الشاشة، لأنه يتربى على ثقافة لا تشبهنا، وليست ثقافتنا، وعلى عادات ليست عاداتنا. هذه الأفكار المصدّرة لنا باتت تدخل في تربية الأطفال أيضاً، ولم يعد الأهل وحدهم مسؤولين عن نشأة أولادهم".

جيل صاعدٌ تنفس هواء الحروب والدمار والإرهاب منذ ما يزيد على 10 سنوات، وترسَّخت في ذاكرته صور الأموات، وحفظ رائحة الدم والبارود. يقول بعض الباحثين إنَّ أحد أهداف هذه الحروب على العالم العربي، كان إخفاء العرب، من خلال تدمير موروثهم الثقافي ولغتهم وتغيير عاداتهم وتقاليدهم وتقسيمهم، ليسهل اختراقهم بسهولة.

توافق دياب على ذلك قائلةً: "من أهداف الحروب في العالم العربي، تدمير العرب وتراثهم الثقافي، وذلك من خلال إضعاف اللغة العربية، وهو ما استطاع العدو أن يصل إليه، وذلك عن طريق هذا الجيل، إذ قام بإدخال أفكار وعادات وتقاليد مصدرة لنا من الخارج عبر المسلسلات المدبلجة باللغة المحكية، وليست العربية الفصحى".

سحر سيدة لبنانيّة أربعينيّة تقول "في السنوات السابقة، كنا نشاهد مسلسلات مكسيكيَّة، ولكنها مدبلجة إلى اللغة العربية الفصحى. كنا نحبّ لغتنا. أفلام الرّسوم المتحركة أيضاً كانت باللغة العربية الفصحى. اليوم، أولادنا يتحدّثون باللغات الأجنبية، ولا يتقنون العربية، ويبغضونها".

يوافق زوج على ما قالته ويتابع: "الأولاد يحلمون بأن يصبحوا في سن الرشد للهجرة والعمل في الغرب. بصراحة، أثرت المسلسلات في قيمهم وأفكارهم، إلى درجة أنهم بدأوا يتحررون من تقاليد يعتبرونها قديمة، وبتنا نحن ولغتنا دقة قديمة في نظرهم".

 

مشاكلنا الاجتماعية تدفع الشباب نحو الثقافات الأجنبية

الدكتور سركيس أبي طنوس، رئيس قسم العلاج الانشغالي في الجامعة اللبنانية، يعتبر أنَّ "اللغة، كما الموسيقى والأعمال الفنية، تشكل إرث الشعب، وتدل على هويته وثقافته".

أبي طنوس وفي حديثه "للميادين نت" توجه باللوم لبعض وسائل الإعلام فيما وصلت إليه مجتمعاتنا من تدهور ثقافي واجتماعي، وقال "في زمننا اليوم، وبعد كورونا تحديداً، بتنا نشاهد في الشاشات ما يؤثر سلباً في الأجيال الناشئة، وحتى فينا كأجيال أكبر. لم نعد نشعر سوى بالطاقات السلبية والدمار والموت والفقر والمشاكل الاجتماعية، ما يدفع الشباب إلى التوجه نحو المسلسلات الأجنبية ومتابعتها للتخفيف مما يعيشونه من ضغوط اجتماعية. هنا، المخيف في الأمر يكمن في أنَّ الأفكار المسمّمة أحياناً تتسلّل إلى عقول الأجيال الصاعدة".

المحاضر في الجامعة اللبنانية دعا المؤسَّسات الإعلامية إلى التخفيف من مشاكل الناس وحزنها، عبر برامج تفرحهم وتقدم لغتهم العربية بشكل أقرب إلى طبيعة حياتهم المتطورة والمتسارعة، إضافةً إلى ندوات وبرامج ثقافية يمكن أن تسهم في رفع معنوياتهم وتحسّن مستواهم الثقافي.

قد يكون أفضل دليل على ما ذكره أبي طنوس ما حدّثنا به دكتور النحو والصرف في الجامعة الإسلامية في غزة، جهاد يوسف العرجا، الذي قال: "الفلسطينيون يعتبرون اللغة العربية لغة مقاومة. حاول الاحتلال أن يدرّس اللغة العبرية في مدارسه، إلا أنَّ الفلسطينيين قاوموا الاحتلال وحافظوا على اللغة العربية".

يضيف العرجا: "من المعيب أن نترك العربية لنتحدَّث بالعبرية، ولكنْ ليس معيباً تعلّم اللغة العبرية، لكي نفهم أفكار عدونا وسياساته. لقد تعلَّمنا في الأراضي المحتلة اللغة العبرية، لأن من تعلَّم لغة قوم أمن شرّهم. وفي كلِّ الأحوال، اللغة العربية ولادة في كلّ فترة. إننا نراها تزدهر أكثر، وهي لغة القرآن الكريم، ولا يمكن أن تُمحى".

 

 

المصدر