الرئيسية

الدراما المسرحية بين الثقافتين العربية والصينية.. منهجية تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها

31 كانون الثاني 2022

صدر حديثا كتاب "الدراما المسرحية بين الثقافتين العربية والصينية: منهجية تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها" لمؤلفيه الكاتبة المغربية أستاذة الثقافة الصينية خديجة علي والأكاديمي المصري خالد أحمد المختص بالنقد الأدبي وتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.

ويتناول الكتاب تاريخ اللغة العربية في الصين ويحتوي على فصول تتحدث بإسهاب عن دور المسرح في تدريس اللغة العربية، وكذلك عن نصوص مسرحية تعرّف بالثقافة العربية والصينية لمستويات الابتدائي والمتوسط والمتقدم، وكذلك على نصوص تطبيقية مترجمة للغة الإنجليزية والصينية.

ويشتمل الكتاب على 50 عملا مسرحيا، مقسمة على مستويات ثلاثة: المبتدئ والمتوسط والمتقدم، إضافة لتدريبات درامية مختلفة لتنمية المهارات اللغوية والمسرحية.

وهذا العمل هو ثالث مشروع للمؤلفة خديجة عللي باللغة العربية والصينية يندرج ضمن تشجيع الصينيين على دراسة اللغة العربية للتقريب والتعريف بالثقافة المغربية "المناسبات، الأعياد، العادات…" خصوصا بعد توقيع اتفاقية الحزام والطريق بين ملك المغرب محمد السادس والرئيس الصيني شي جين بينغ.

ويضم الكتاب محاور مختلفة، أبرزها تاريخ اللغة العربية في الصين، ومكانتها، والتعريف بالمسرح ودوره وأهدافه وأهميته في تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، كما يناقش أنواع المسارح ونماذج تخطيطية لكيفية اختيار النصوص وتأليفها.

ويتطرق الكتاب كذلك لسمات المعلم الذي يتبنى تقديم الدروس المسرحية، وإجراءات وكيفية تدريس المسرحية لمتعلمي اللغة العربية، ويستعرض نصوصا وتطبيقات عن الثقافة الصينية والعربية.

وتقول المؤلفة "اعتمدنا على الأطر المرجعية الثلاثة في تدريس اللغة العربية لغير الناطقين من أجل إنجاز هذا الكتاب الذي يتضمن زهاء 300 صفحة، وأحطنا بكل المستويات التعليمية الابتدائي والمتوسط والمتقدم، ليكون كتابا شاملا وجامعا".

العربية في الصين

وتقول المؤلفة المشاركة في مقدمة الكتاب إن تعليم اللغة العربية في الصين يلقى اهتماما متزايدا بفضل دعم الحكومات العربية، وحرص بكين على تنمية صور التبادل الثقافي بعد إطلاق مشروع "الحزام والطريق".

وقد ازداد الإقبال على تعلم اللغة العربية من الناطقين بغيرها باعتبارها أمرا مهما وغاية قصوى، خاصة أن أعداد الجاليات الأجنبية العاملة في القطاعات الدبلوماسية والتجارية وقطاع الخدمات قد ارتفعت، ويرغب عدد كبير منهم في تعلم اللغة العربية، مما دفع بالمؤسسات الأكاديمية العربية إلى تعليم اللغة العربية كلغة ثانية لغير الناطقين بها، ومن ثم أنشـئت مراكز ومعاهد في الدول العربية لتعليم اللغة العربية بطريقة سهلة وسلسة، تبنى على التدرج من الأسهل إلى الأصعب.

تاريخ العربية في الصين

ويناقش الفصل الأول للكتاب سبب انتشار اللغة العربية في الصين، ويشير إلى أن أغلب الدراسات تتفق أن هذا الانتشار راجع لعاملين أساسيين أولهما انتشار الإسلام في الصين، وثانيهما تطور العلاقات بينها وبين الدول العربية ولا سيما في المجالات التجارية والسياسية.

وبحسب الكتاب، يعتبر يوم 25 أغسطس/آب 651م والموافق 2 محرم 31 هجرية هو تاريخ دخول العرب إلى بلاد الصين، حيث ورد في "سجل التاريخ الصيني" أن الصينيين كانوا يشيرون إلى بلاد العرب باسم "داشي" وكما جاء في كتاب "تانغ القديم ج 4" فإن العرب في التاريخ المذكور أعلاه أوفدت مبعوثا إلى بلاد الصين، وكان يحكمها آنذاك أسرة تانغ الملكية وبالتحديد "قاو تسونغ"، في حين كان الخليفة العربي هو "عثمان بن عفان" رضي الله عنه ثالث الخلفاء الراشدين.

وعرفت الفترة الممتدة من 651 إلى سنة 798 ميلادية ارتفاع عدد البعثات العربية إلى بلاد الصين، حيث أوفدوا 39 مبعوثا إلى أسرة تانغ الملكية، وتواصلت البعثات حتى في ولاية أسرة سونغ الملكية.

وتؤكد دراسة أجراها "باي شوي يي" أن العرب أوفدوا 49 مبعوثا إلى الصين بمعدل مبعوث كل 4 سنوات خلال 200 سنة.

إلا أن بعض الدراسات تشير إلى أن العرب دخلوا بلاد الصين قبل التاريخ المشار إليه أعلاه، وإن كان ذلك بشكل غير رسمي، حيث دخل تجار كثر خلال حكم أسرتي تانغ وسونغ عبر الطريق البحري بجانب المدن الصينية التي تتضمن موانئ تجارية مثل قوانغتشو (كانتون) وتشيوانتشو ومينغتشو (ميناء نيبغوه حاليا) ويانغتشو، ومكّنت هذه المدن التجار العرب من التوغل إلى مدن تجارية مختلفة أخرى في المقاطعات الصينية، بل أتاحت لهم المكوث في بلاد الصين.

إن ما يميز انتشار العربية في بلاد الصين خلال فترة حكم أسرتي تانغ وسونغ هو أن معظم الوافدين كانوا مبعوثين أو تجارا، لكن الأمر يختلف كثيرا أثناء فترة حكم أسرة يوان الملكية حيث عرفت زحف المغول إلى الغرب فأسروا حوالي 100 ألف من المسلمين وجعلوا منهم جنودا، وعادوا بهم إلى بلاد الشرق حيث خاضوا عدة معارك في بلاد الصين.

وتفرق الجنود المسلمون بعد ذلك في بلاد الصين، وشكلوا جماعات، كما تمكنوا من الاندماج مع السكان المحليين، ولا غرابة إذا قلنا إن بعض العرب حظي بمزاولة بعض المناصب الكبرى مثل منصب رئيس مجلس الوزراء.

وهذا الانتشار على شكل جماعات مكّن العرب في بلاد الصين من تأسيس حارة سكنية خاصة بالمسلمين سميت بـ"بانفانغ" كما تم تشييد المساجد، وذلك في ظل حكم أسرة تانغ، وكان أول مسجد أسس في الصين هو مسجد هوايهوا في كانتون الذي تم بناؤه أثناء حكم أسرة تانغ (سنة 629 م).

ولقد تميزت المساجد في البداية بممارسة الشعائر الدينية كالصلاة، ثم كانت مراكز لنشر القرآن، وتعليم أصول الدين، كما كانت الفضاء الوحيد لتعليم اللغة العربية.

وتجدر الإشارة إلى أن مساجد كثيرة عند بنائها حملت نفس اسم المكان الذي أنشئت به وكانت تسمى "معبد صلاة" كمعبد صلاة "نيو جيه" ببكين ومعبد صلاة "دينغ تشو" بهاباي.

ويخلص الكتاب إلى أن اللغة العربية دخلت بلاد الصين مع وصول المسلمين العرب واتسعت رقعتها بانتشار الإسلام، وفي العصر الحالي صارت الحكومة الصينية تهتم بتطوير علاقاتها مع الدول العربية خاصة بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949.

وفي العصر الحديث، أسهمت الحركة الثقافية المقاومة للإمبريالية والإقطاع في تحول كبير، ظهرت معه نقاط ضعف التعليم في المساجد، ومن ثمة عمل المسلمون الصينيون على إنشاء مدارس حديثة، تدرس فيها اللغتان الصينية والعربية، واهتموا بتدريس المواد الثقافية لكلتا اللغتين.

وفي الجامعات، يقول الكتاب، لا يجادل أحد في أن الأستاذ "عبد الرحمن ناتشونغ" (المتقاعد من جامعة الدراسات الأجنبية ببكين) أول من درّس اللغة العربية في جامعة صينية، بعد عودته من مصر عام 1943، وقد أسس الأستاذ ناتشونغ منهجية تعليم اللغة العربية في الجامعات الصينية، كما ألقى محاضرات على الطلبة في الجامعة المركزية حول التاريخ العربي الإسلامي سنة 1945.

وتمثل جامعة بكين الدولية للغات أول جامعة صينية أنشأت شعبة لتدريس اللغة العربية، ففي عام 1946 دعت الجامعة محمد ماكين، بعد إتمام دراسته بجامعة الأزهر، لإنشاء شعبة اللغة العربية في قسم اللغات الشرقية. فقد بدأ تدريس اللغة العربية في الجامعة دون توفر أي مرجع ولا حتى أي قاموس فقام بتجميع الكتب وتصنيفها وترجمتها من اللغة العربية إلى الصينية وبالتالي أصبحت جامعة بكين من أعرق الجامعات في اللغة العربية وصارت تتوفر على مختبر لغوي يضم على أحدث التجهيزات وأساتذة لغة عربية للإجازة والماجستير والدكتوراه.

المسرح

ويناقش الفصل الثاني للكتاب تاريخ المسرح منذ القديم وإسهامه في تلبية احتياجات الإنسان الجمالية والذهنية، وبسبب نوع الجمهور الذي يرتاده، وبسبب الرابطة الوثيقة، التي تربط جمهوره بممثليه، ثم بسبب مختلف القيم الأخرى، لكل هذه الأسباب يبدو مقدرا له أن يعيش بضعة آلاف أخرى من السنين.

وحتى لو كتب للمسرح المختلف أن يحقق تنبؤات المتشائمين القديمة، ويحل به الموت فسوف يبقى المسرح التربوي حقلا طبيعيا للتدريب، ونقطة انطلاق للطالب، في أي فرع من فروع الفنون المسرحية، إذ إن المسرح الحي هو الجذر، الذي تولدت عنه بقية الفروع الأخرى، بحسب الكتاب.

وإذا كانت النهضة المسرحية تعتمد على البحوث والدراسات والتجارب، في مجال الفنون والآداب المسرحية فإن الثقافة المسرحية تضيف كذلك التعريف بالتراث المسرحي، بما تقدمه من مؤلفات وترجمات تهم المتخصصين والعامة، على السواء.

تعليم العربية من خلال المسرح

ويعتبر الكتاب فكرة تعليم اللغة العربية من خلال المسرح فكرة رائدة، لما يتيحه المجال المسرحي من تفريغ طاقات الطلاب، وتحفيزهم للتعلم، وبالتالي بدأ المختصون في مجال التعليم بالتركيز في دمج العملية التعليمية بالمسرح ومن هنا ظهر المسرح المدرسي، كوسيلة لدعم التعلم والتعليم من خلال النشاط، ولكن تعليم اللغات من خلال المسرح يعد طرحا مميزا لما نجده في المسرح من مهارات الإلقاء والحوار وكسر الحاجز النفسي في مواجهة الجمهور.

ويقول الكتاب إن تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها عبر الأداء المسرحي والتدريب على الإلقاء المسرحي يكسبهم مهارات اللغة العربية بشكل أكثر جذبا من عملية التعليم النمطية، فمن الممكن أن يتقن الطلاب الناطقون بغير العربية مهارات (الاستماع- التحدث- والقراءة – والكتابة) من خلال الأداء التمثيلي.

ولكن هناك بعض المعوقات التي قد تعيق هذا الطرح من ضمنه عدم وجود معلمين لديهم القدرة على التدريب المسرحي من معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها لذلك جاء الهدف من هذا الكتاب، وهو وضع أطر لمعلم اللغة العربية للناطقين بغيرها للتعرف على المسرح ومصطلحاته بشكل أدق وأشمل والتعرف على الخطوات الإجرائية التي تمكنه من تعليم اللغة العربية من خلال الأعمال المسرحية والأداء الفني.

 

المصدر